من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل (حق الميراث)

من الأمور التي تخالف فيها المرأة الرجل
(حق الميراث)
من أبرز الانتقادات التقليدية التي تتكرر في نطاق الحديث عن المساواة وضرورتها بين الرجل والمرأة، والوقوف عند قول الله تعالى في سورة النساء: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]، والنظر إليه على أنه وثيقة إدانة للشريعة الإسلامية، التي ضُبطت من خلال هذا الكلام متلبسة بتهمة التفريق بين الرجل والمرأة في أبرز
ما ينبغي أن تناله من حقوق ألا وهو حق الميراث.
وسبب هذا الوهم الكبير في فهم الآية؛ لأن سماسرة هذا الانتقاد يفهمون من قوله تعالى: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11] قانوناً عاماً سارياً في أحكام الميراث؛ بل إن كلمة ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11] غدت في وهم المروجين لهذا الانتقاد وكثير من دهماء الناس بمثابة دستور اجتماعي مطلق يفرضه الدين في كل مسألة وفي سائر الأحوال، وبالنسبة إلى سائر القضايا والمشكلات! في حين أن الآية إنما رسمت هذا الحكم في ميراث الأولاد دون غيرهم. وللورثة الآخرين ذكوراً وإناثاً أحكامهم الواضحة الخاصة بهم، ونصيب الذكور والإناث واحد في أكثر هذه الأحكام.
وإليك هذه الأمثلة:
1- إذا ترك الميت أولاداً وأباً وأماً، ورث كل من أبويه سدس التركة، دون تفريق بين ذكورة الأب وأنوثة الأم، ودون وجود أي سلطان للدستور الوهمي المطلق: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11] وذلك عملاً بقوله تعالى: ﴿ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ﴾ [النساء: 11].
2- إذا ترك الميت أخاً لأمه أو أختاً لأمه، ولم يكن ثمة من يحجبهما من الميراث فإن كلاً من الأخ والأخت يرث السدس، دون أي فرق بين الذكر والأنثى، ودون نظر إلى: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]؛ وذلك عملاً بقوله تعالى: ﴿ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ﴾ [النساء: 12].
3- إذا ترك الميت عدداً من الإخوة للأم، اثنين فصاعداً، وعدداً من الأخوات للأم ثنتين فصاعداً، فإن الإخوة يرثون الثلث مشاركة، والأخوات - أيضاً - يرثن الثلث مشاركة، دون تفريق بين الإناث والذكور، ودون نظر إلى ما يظن بعضهم أنه دستور قانون مطلق هو: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]؛ وذلك بموجب قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ﴾ [النساء: 12].
4- إذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها، فإن ابنتها ترث النصف، ويرث والدها الذي هو زوج المتوفاة الربع... أي: إن الأنثى ترث هنا ضعف ما يرثه الذكر.
5- إذا ترك الميت زوجة وابنتين وأخاً له، فإن الزوجة ترث ثمن المال، وترث الابنتان الثلثين، وما بقى فهو لعمهما، وهو شقيق الميت، وبذلك يرث كل من البنتين أكثر من عمهما. إذ إن نصيب كل منهما يساوي (8/24) بينما نصيب عمها (5/24)، وهذا ما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءته امرأة سعد بن الربيع بابنتيها قائلة: (يا رسول الله! هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما يوم أحد شهيداً، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً، ولا تنكحان إلا بمال.قال: يقضي الله في ذلك. فنزلت آية الميراث. فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك"[1].
إذاً: فقد تبين أن قوله تعالى: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11] ليس قاعدة نافذة مستمرة تطبق كلما اجتمع ذكر وأنثى، وكان لهما نصيب من الميراث كما يتصور بعض الناس؛ بل هو قيد للحالة التي ذكرها الله تعالى وهي أن يرث جمع من الأولاد من أحد الأبوين، يتبين ذلك واضحاً من الجملة التي جاءت قبل هذا الحكم، وهي قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: 11] فإذا اجتمع من الأولاد ذكور وإناث فإن الذكور بمقتضى كونهم عصبة يعصبون أخواتهم، فيأخذ الجميع ما يفضل عن حصص أصحاب الفروض، على أن يكون للذكور الأولاد مثل حظ الأنثيين[2].
وبذلك نعرف أن الشارع الحكيم قد راعى وضع الوارث ومدى حاجته، ونوع العلاقة بينه وبين مورثه ذكراً كان أو أنثى، والدليل على ذلك أنه يجعل الابن هو المكلف بالإنفاق، ولا يتطلب من المرأة أن تنفق شيئاً من مالها على غير نفسها وزينتها، (إلا حيث تكون العائل الوحيد لأسرتها وهي حالات نادرة في ظل النظام الإسلامي؛ لأن أي عاصب من الرجال مكلف بالإنفاق ولو بعدت درجته) فأين الظلم الذي يزعمه دعاة المساواة المطلقة؟!
إن المسألة مسألة حساب لا عواطف ولا ادعاء، تأخذ المرأة - كمجموعة - ثلث الثروة الموروثة لتنفقها على نفسها، ويأخذ الرجل ثلثي الثروة لينفقها أولاً على زوجه - أي: على امرأة - وثانياً: على أسرة وأولاد، فأيهما يصيب أكثر من الآخر بمنطق الحساب والأرقام؟
وإذا كانت هناك حالات شاذة لرجال ينفقون كل ثرواتهم على أنفسهم ولا يتزوجون ولا يبنون أسرة، فتلك أمثلة نادرة، وإنما الأمر الطبيعي أن ينفق الرجل ثروته على بناء أسرة فيما امرأة بطبيعة الحال هي الزوجة،وهو ينفق عليها لا تطوعاً بل تكليفاً، ومهما كانت ثروتها الخاصة فلا يحق له أن يأخذ منها شيئاً ألبتة إلا بالتراضي الكامل بينهما، وعليه أن ينفق عليها كأنها لا تملك شيئاً، ولها أن تشكوه إذا امتنع عن الإنفاق أو قتر فيه بالنسبة لما يملك، ويحكم لها الشرع بالنفقة أو بالانفصال، فهل بقيت بعد ذلك شبهة في القدر الحقيقي الذي تناله المرأة من مجموع الثروة؟
وهل هو امتياز حقيقي في حساب الاقتصاد أن يكون للرجل مثل حظ الأنثيين وهو مكلف ما لا تكلفه الأنثى؟
على أن هذه النسبة إنما تكون في المال الموروث بلا تعب، فهو تقسيم بمقتضى العدل الرباني الذي يعطي لكل حسب حاجته، ومقياس الحاجة هو التكاليف المنوطة بمن يحملها. أما المال المكتسب فلا تفرقة فيه بين الرجل والمرأة، لا في الأجر على العمل، ولا في ربح التجارة ولا ريع الأرض... إلخ؛ لأنه يتبع مقياساً آخر هو المساواة بين الجهد والجزاء، وإذن فلا ظلم ولا شبهة في ظلم، وليس وضع المسألة أن قيمة المرأة هي نصف قيمة الرجل في حساب الإسلام كما يفهم العوام من المسلمين، وكما يقول المشنعون من أعداء الإسلام، وقد رأينا بحساب الأرقام أن ذلك غير صحيح[3].
[1] أبو داود (3/121) (2892)، الترمذي (4/414) (2092)، ابن ماجه (2/908) (2720)، أحمد (3/352)، الحاكم (4/370).
[2] المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني: د. محمد سعيد البوطي (ص:107) وما بعدها.
[3] انظر: شبهات حول الإسلام، محمد قطب (ص:119-120).



ليست هناك تعليقات

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

يتم التشغيل بواسطة Blogger.