الشباب والفراغ وكيفية علاج هذه المشكله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد :
فالفراغ مشكلة كثير من الشباب في عالمنا الإسلامي وغيره ، كم من صالح فسد بسببه، وكم من جادٍ متفوق تدنى مستواه بسببه، وكم من بارٍ بوالديه تبدل بره بهما عقوقاً، يوم سعى خلف الفراغ ليملأه بما يسليه وينفس عنه …
لهذا ولغيره أصبح جديراً بنا الحديث عنه ومحاولة علاجه ، وسيكون الحديث حول العناصر التالية :
تعريف الشباب .
أهمية الشباب ومنـزلته في الدين .
من مشاكل الشباب : الفراغ .
إحصائيات وأرقام .
أعراض الفراغ .
أسباب الفراغ .
علاج الفراغ .
قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } .
الشباب هم عصب الحياة وقوامها ، ولا تقوم أمة إلا بشبابها ، ولا يكون لأمة من الأمم هيبة إلاّ بقدر ما في شبابهم من كفاآت وطاقات .
فمن هم الشباب ، وما أهمية هذه المرحلة من العمر في الإسلام ؟
ذكر الثعالبي فقال : الشباب جمع شاب وهو ما بين الثلاثين والأربعين.
وما بكت العرب على شيء كما بكت على الشباب ، حتى قال قائلهم :
وأمّا في الاصطلاح : فالشباب هو : قوة بين ضعفين ، ضعف الطفولة ، وضعف الشيخوخة .
وحقيقته كما قال بعض العلماء : أن الشباب ليس في قدرة الجسد ولا في قوة الشهوة، وإنما الشباب في صلابة العزيمة وحماسة الروح .
ثانيـاً : منـزلة مرحلة الشباب وأهميتها في الدين :
لقد أولى الكتاب العزيز للشباب عناية واهتماماً خاصاً ، فهو يعظم فيهم التضحية ، ويضرب بهم المثل في الثبات على الدين والدعوة إليه .
فلقد امتدح الله أصحاب الكهف على حداثة سنّهم بأنهم اتبعوا الحق، وتعاهدوا على الثبات عليه ، ونصرته ، فكانت النتيجة أن زادهم الله هدىً على هداهم وثباتاً على ثباتهم .
وقال أيضاً : إن من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه ، خذلاناً من الله عز وجل .
ومن الأسباب أيضاً : الجليس المفرّط الذي يقطع أوقاته شذر مذر ، فتنتقل العدوى من السقيم إلى الصحيح فيسقم، فيكونان في هدر الأوقات سواء.
كل هذا مع غياب الناصح الأمين فلا ناصح في البيت ولا في الشارع ، ولا في المدرسة ، إلا ما رحم الله ، وقليل ما هم .
ومن الأسباب أيضاً :
الفشل الدراسي : فالفاشل دراسياً شعر أنه لن ينفع في ميدان المكافحة والاجتهاد فأراد أن يثبت لنفسه العاجزة ، ولغيره من الجهلة أنه ناجح فامتهن اللعب ، واتخذ تقطيع الأوقات صنعة ، ليكبر في عين نفسه ؛ لأن الشعور بالفشل قاتل.
ومنها أيضاً .. التفكك الأسري . فلا الأب يهتم بالأبناء ، ولا الأم تراقب التصرفات ، كلٌ مشغول في اهتماماته ومشاغله ، والضحية أن يكثر عندنا البطالون وتتفاقم المشكلة ، ويدب الفساد في المجتمع ، لغفلة الناس عن الاستفادة من أوقاتهم فيما ينفعهم في الدنيا والآخرة .
قال عمر بن الخطاب : لا يعجبني الرجل يعيش سبهللاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة .
سادساً : العــلاج :
ما أنزل الله داءً إلاّ أنزل له دواء ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، وهنا لابد من ذكر علاج هذه المشكلة التي تَبَيّن لنا خطرها على الأفراد، والجماعات . وعلاجُها بإذن الله يكون بالنقاط التالية :
أولاً : تطبيق الأعراض السابق ذكرها على النفس ، فإن وجدت هذه الأعراض تَبَيّن يقيناً أن مشكلة الفراغ موجودة ، وهنا لابد من الصدق مع النفس والصراحة معها ، لأن الشعور بوجود المشكلة والخوف من تفاقمها نقطة البداية للعلاج .
ثانياً : استشعار أن الدنيا مزرعة الآخرة، فكما تزرع اليوم تحصد غداً، فالزرع الطيب ينبت بإذن الله ثمراً طيباً، والذي لا يزرع في وقت البذار ، تأوه نادماً يوم الحصاد .
قال طيفور البسطامي : إن الليل والنهار رأس مال المؤمن ، ربحها الجنة، وخسرانها النار .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه وهو يبين شدة ندمه ، على أيام انقضت ولم يقضها في الطاعة : (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي) .
هذا قول ابن مسعود الصحابي الجليل والعالم الزاهد ، فما قول المفرطين أمثالنا !
فادع الله مخلصاً من قلبك ، واسأله أن يوفقك لاغتنام ساعات عمرك فيما يرضيه …
فالفراغ مشكلة كثير من الشباب في عالمنا الإسلامي وغيره ، كم من صالح فسد بسببه، وكم من جادٍ متفوق تدنى مستواه بسببه، وكم من بارٍ بوالديه تبدل بره بهما عقوقاً، يوم سعى خلف الفراغ ليملأه بما يسليه وينفس عنه …
لهذا ولغيره أصبح جديراً بنا الحديث عنه ومحاولة علاجه ، وسيكون الحديث حول العناصر التالية :
تعريف الشباب .
أهمية الشباب ومنـزلته في الدين .
من مشاكل الشباب : الفراغ .
إحصائيات وأرقام .
أعراض الفراغ .
أسباب الفراغ .
علاج الفراغ .
أولاً : تعريف الشباب :
قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } .
الشباب هم عصب الحياة وقوامها ، ولا تقوم أمة إلا بشبابها ، ولا يكون لأمة من الأمم هيبة إلاّ بقدر ما في شبابهم من كفاآت وطاقات .
فمن هم الشباب ، وما أهمية هذه المرحلة من العمر في الإسلام ؟
ذكر الثعالبي فقال : الشباب جمع شاب وهو ما بين الثلاثين والأربعين.
وما بكت العرب على شيء كما بكت على الشباب ، حتى قال قائلهم :
ألا ليت الشباب يعود يوماً ....فأخبره بما فعل المشيب
وأمّا في الاصطلاح : فالشباب هو : قوة بين ضعفين ، ضعف الطفولة ، وضعف الشيخوخة .
وحقيقته كما قال بعض العلماء : أن الشباب ليس في قدرة الجسد ولا في قوة الشهوة، وإنما الشباب في صلابة العزيمة وحماسة الروح .
ثانيـاً : منـزلة مرحلة الشباب وأهميتها في الدين :
لقد أولى الكتاب العزيز للشباب عناية واهتماماً خاصاً ، فهو يعظم فيهم التضحية ، ويضرب بهم المثل في الثبات على الدين والدعوة إليه .
فلقد امتدح الله أصحاب الكهف على حداثة سنّهم بأنهم اتبعوا الحق، وتعاهدوا على الثبات عليه ، ونصرته ، فكانت النتيجة أن زادهم الله هدىً على هداهم وثباتاً على ثباتهم .
{ إِنَّهُمْ
فِتْيَةٌ آمَنُوا بِربّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً * وَرَبطْنَا عَلَى
قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً
شَطَطاً } .
وهذا غلام الأخدود يجعله الله سبباً في إيمان أهل بلدة بكاملها مع حداثة سنه .
وأما السنة فقد كثرت فيها الأحاديث التي يوصي النبي عليه الصلاة والسلام فيها بالشباب ، ويوصي بالاستفادة من زمن الشباب .
وهل كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام إلا شباباً . فهذا أبو بكر الصديق أسلم يوم أسلم وعمره سبعة وثلاثون سنة ، وعمر يوم أسلم في الواحدة والثلاثين وأسلم عثمان وهو في الخامسة والثلاثين وأمّا علي فأسلم وهو في الثامنة عشرة من عمره .
وأمّا اعتماد النبي عليه الصلاة والسلام على الشباب فظاهر ؛ فأول سرية بعثها النبي عليه السلام في الإسلام كانت بعيد الهجرة يقودها عبد الله بن جحش، وهو من الشباب ، وآخر جيش جهزه قبل موته غازياً في سبيل الله جيش أسامة بن زيد وكان عمره دون العشرين سنة .
وهل كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام إلا شباباً . فهذا أبو بكر الصديق أسلم يوم أسلم وعمره سبعة وثلاثون سنة ، وعمر يوم أسلم في الواحدة والثلاثين وأسلم عثمان وهو في الخامسة والثلاثين وأمّا علي فأسلم وهو في الثامنة عشرة من عمره .
وأمّا اعتماد النبي عليه الصلاة والسلام على الشباب فظاهر ؛ فأول سرية بعثها النبي عليه السلام في الإسلام كانت بعيد الهجرة يقودها عبد الله بن جحش، وهو من الشباب ، وآخر جيش جهزه قبل موته غازياً في سبيل الله جيش أسامة بن زيد وكان عمره دون العشرين سنة .
وليعلم أن زمن الشباب لا يدوم ، وأيامه لا تبقى ، ولهذا دعا النبي عليه الصلاة والسلام إلى اغتنامه فقال في الحديث الصحيح (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وغناك قبل فقرك ، وحياتك قبل موتك)( ) .
ومن العجيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الحديث أمرين متلازمين فقال :(شبابك قبل هرمك ، وفراغك قبل شغلك) وهما القضيتان اللتان نتحدث عنهما في هذه المحاضرة .
وقد بيّن النبي عليه الصلاة والسلام ، أن الصحة في البدن والفراغ من الأشغال والأعمال من النعم التي يسديها الله على من يشاء من خلقه ، إلا أنهم لا يحسنون شكرها ولا القيام بحقها فقال : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) ( ) .
إنه من يتأمل هذا الحديث يلمس ولابد أن الفراغ نعمة ، فإذا لم يستفد منه فإنه يصير نقمة ، ويكون من أعظم المشاكل التي تواجه الشباب ولبيان ذلك استمع إلى العنصر الثالث .
ثالثاً : إحصائيات وأرقام :
اقرأ أخي هذه الإحصائية التي تستوقف العاقل فيتأمل ويقول : لولا الفراغ ، وسوء استخدام الفراغ لما حصل كل هذا .
بلغ متوسط عدد الساعات التي يقضيها الشباب ما بين سن الثامنة عشرة والثانية والأربعين في تقليب صفحات الإنترنت أربع ساعات يومياً ، بمعنى 1440 ساعة في السنة بمعنى أنه يقضي 60 يوماً متواصلة في مشاهدة صفحات الإنترنت في العام .
ـ كما أكدت دراسة أجراها إبراهيم قنديل في كتابه (الأوقات الحرة لدى الشباب السعودي) أن الشباب السعودي يقضي 70% من أوقات فراغهم في الأنشطة الرياضية .
ثم يأتي بعدها مشاهدة التلفاز بمعدل 42% ثم زيارة الأقارب بنسبة 32%.
وقد يقول أحدكم وماذا في هذه الإحصائية أمشاهدة الإنترنت حرام ؟ أم لعب الكرة والنشاط الرياضي حرام ؟ أم مشاهدة التلفاز أيضاً حرام ؟
ولست هنا في مقام إطلاق الحكم على شيء من ذلك ، ولكن هل خلق هذا المسكين ليقضي سدس عمره في تقليب صفحات الإنترنت ، أم أن الله خلقه ليقضي وقته في اللعب ، أو مشاهدة التلفاز وغيره ؟
ومن جهة أخرى إذا كانت أوقات فراغنا تذهب لهذه الأمور ، ويضاف إليها ما يقضيه الواحد منا في النوم ، فكم بقي بالله من الوقت ليستفاد منه في طاعة الله لينجو بها من النار ...
قال النبي عليه الصلاة والسلام : (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه)( ) .
رابعـاً : أعراض مشكلة الفراغ :
قد يتردد الإنسان في نفسه هل هو مِمن يعاني من مشكلة الفراغ ، أم أنه من المستثمرين لأوقاتهم ؟
وقد يكون الواحد منا يظن أنه مستفيد من وقته كل الاستفادة . مع أنه في الحقيقة مغبون مفرط .
ولهذا فإن كل مشكلة لها أعراض ، إن وجدت دلت على وجودها ، وإن انتفت دل ذلك على السلامة منها .
وأول هذه الأعراض :
شعور الإنسان بالملل (الطفش) . قد يقضي الإنسان وقتاً طويلاً وهو ينتقل من مكان إلى مكان ، وينظر هنا وهناك ، وهو يرغب في طرد شيء من الملل والسآمة التي تملّكت نفسه وأحكمت قبضتها على قلبه ، فيسعى لطرد هذا الملل بالتنقل من شارع إلى شارع ، ومن مكان إلى آخر ومن منتزه إلى منتزه غيره ولكن دون فائدة .
فهذا عَرَض واضح وظاهر ، يدل على أن مشكلة الفراغ مستفحلة .
العرض الثاني :
عدم الانضباط في أوقات النوم والاستيقاظ فينام من بعد الدوام إلى ما بعد الغروب ، ثم يقوم ليله إلى قبيل الفجر ، ثم ينام فلعله يدرك دوامه في اليوم التالي، أو لا يأتيه إلا متأخراً .
العرض الثالث :
يحاول الإنسان أن يدفع ما يشعر به من الفراغ ، وأن يقطع عليه ذلك الوقت ، بكثرة الكلام والمسامرة مع الأصحاب والخلان ، فمن جلسة مع صديق إلى وقفة مع آخر ، إلى مكالمة مع ثالث ، يقضي الساعات الطوال في الحديث والكلام متناسياً قول النبي عليه السلام : (إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)( ) .
العرض الرابع :
دنو الاهتمامات وبساطتها وانعدام الطموح .
فالمصاب بمشكلة الفراغ ، يصاب بضعف في الاهتمامات وانعدام من الطموح؛ لأنه لا يريد أن يقضي شيئاً من وقته في أمر يتعبه ، وإنما يريد شيئاً يتناسب مع ما هو مصاب به ، فيهتم بما يزيد من فراغه . فلو سألته عن هدفه في الحياة ، لقال : لاعب ، لأن اللعب يحسنه كل أحد ، أما الأمور المهمة فلا ينالها إلاّ أفذاذ الناس وأقوياؤهم .
العرض الخامس : التكدّس في المقاهي والملاهي :
بل حدا الفراغ بالشباب إلى الذهاب للمقاهي في أوقات الدوام الصباحي وإليك هذه الإحصائية الميدانية : حيث أجريت دراسة على طلاب مدينة الرياض فوجد أن 418 طالبا من طلاب مدينة الرياض ، يذهبون أثناء الدراسة الصباحية إلى المقاهي ويدخنون الشيشة .
خامساً : أسباب هذه المشكلة :
إن الذي ينظر في هذا الفراغ العارم الذي طغى على شريحة كبيرة من الشباب يتساءل عن سبب هذه المشكلة أو قل أسباب هذه المشكلة .
فمن أسبابها : انعدام القدوة الحقيقية ، والناس لابد لهم من قدوات ليتأسوا بهم ، ويسيروا على طريقهم، ولكن وللأسف في هذا الزمان المتأخر أصبح القدوة مفقوداً ، فاتخذ الناس لهم قدوات ليسوا من أصحاب الهمم العالية ، ولا هم من أهل الإنتاج والتأثير في الحياة ، وإنما قدوات هذا الزمان شريحة لا تستحق هذا الشرف من ذوي الاهتمامات الوضيعة بل ممن يزين المعصية في نفوس الشباب.
مع أن لنا في ديننا القدوة الحية لكل زمان { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ..} ( ) .
وهذه سير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهدة على أروع المثُل لمن أراد أن يتأسى ويقتدي .
ولكن للأسف نحن أمة لا تعرف عن تاريخها وعزها ومجدها إلاّ القليل.
صح عند النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كل لهو باطل ، غير تأديب الرجل فرسه ، وملاعبته أهله ، ورميه سهمه) ( ) .
ومن الأسباب أيضاً : الغفلة عن أهمية الوقت ، وأنه كلما زادت غفلة الإنسان عن وقته ، زاد إسرافه وتبذيره لأوقات فراغه فيما لا ينفع .
يقول الحسن البصري : (يا ابن آدم ما أنت إلا أيام فإن ذهب يومك ذهب بعضك) .
ومن العجيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الحديث أمرين متلازمين فقال :(شبابك قبل هرمك ، وفراغك قبل شغلك) وهما القضيتان اللتان نتحدث عنهما في هذه المحاضرة .
وقد بيّن النبي عليه الصلاة والسلام ، أن الصحة في البدن والفراغ من الأشغال والأعمال من النعم التي يسديها الله على من يشاء من خلقه ، إلا أنهم لا يحسنون شكرها ولا القيام بحقها فقال : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) ( ) .
إنه من يتأمل هذا الحديث يلمس ولابد أن الفراغ نعمة ، فإذا لم يستفد منه فإنه يصير نقمة ، ويكون من أعظم المشاكل التي تواجه الشباب ولبيان ذلك استمع إلى العنصر الثالث .
ثالثاً : إحصائيات وأرقام :
اقرأ أخي هذه الإحصائية التي تستوقف العاقل فيتأمل ويقول : لولا الفراغ ، وسوء استخدام الفراغ لما حصل كل هذا .
بلغ متوسط عدد الساعات التي يقضيها الشباب ما بين سن الثامنة عشرة والثانية والأربعين في تقليب صفحات الإنترنت أربع ساعات يومياً ، بمعنى 1440 ساعة في السنة بمعنى أنه يقضي 60 يوماً متواصلة في مشاهدة صفحات الإنترنت في العام .
ـ كما أكدت دراسة أجراها إبراهيم قنديل في كتابه (الأوقات الحرة لدى الشباب السعودي) أن الشباب السعودي يقضي 70% من أوقات فراغهم في الأنشطة الرياضية .
ثم يأتي بعدها مشاهدة التلفاز بمعدل 42% ثم زيارة الأقارب بنسبة 32%.
وقد يقول أحدكم وماذا في هذه الإحصائية أمشاهدة الإنترنت حرام ؟ أم لعب الكرة والنشاط الرياضي حرام ؟ أم مشاهدة التلفاز أيضاً حرام ؟
ولست هنا في مقام إطلاق الحكم على شيء من ذلك ، ولكن هل خلق هذا المسكين ليقضي سدس عمره في تقليب صفحات الإنترنت ، أم أن الله خلقه ليقضي وقته في اللعب ، أو مشاهدة التلفاز وغيره ؟
ومن جهة أخرى إذا كانت أوقات فراغنا تذهب لهذه الأمور ، ويضاف إليها ما يقضيه الواحد منا في النوم ، فكم بقي بالله من الوقت ليستفاد منه في طاعة الله لينجو بها من النار ...
قال النبي عليه الصلاة والسلام : (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه)( ) .
رابعـاً : أعراض مشكلة الفراغ :
قد يتردد الإنسان في نفسه هل هو مِمن يعاني من مشكلة الفراغ ، أم أنه من المستثمرين لأوقاتهم ؟
وقد يكون الواحد منا يظن أنه مستفيد من وقته كل الاستفادة . مع أنه في الحقيقة مغبون مفرط .
ولهذا فإن كل مشكلة لها أعراض ، إن وجدت دلت على وجودها ، وإن انتفت دل ذلك على السلامة منها .
وأول هذه الأعراض :
شعور الإنسان بالملل (الطفش) . قد يقضي الإنسان وقتاً طويلاً وهو ينتقل من مكان إلى مكان ، وينظر هنا وهناك ، وهو يرغب في طرد شيء من الملل والسآمة التي تملّكت نفسه وأحكمت قبضتها على قلبه ، فيسعى لطرد هذا الملل بالتنقل من شارع إلى شارع ، ومن مكان إلى آخر ومن منتزه إلى منتزه غيره ولكن دون فائدة .
فهذا عَرَض واضح وظاهر ، يدل على أن مشكلة الفراغ مستفحلة .
العرض الثاني :
عدم الانضباط في أوقات النوم والاستيقاظ فينام من بعد الدوام إلى ما بعد الغروب ، ثم يقوم ليله إلى قبيل الفجر ، ثم ينام فلعله يدرك دوامه في اليوم التالي، أو لا يأتيه إلا متأخراً .
العرض الثالث :
يحاول الإنسان أن يدفع ما يشعر به من الفراغ ، وأن يقطع عليه ذلك الوقت ، بكثرة الكلام والمسامرة مع الأصحاب والخلان ، فمن جلسة مع صديق إلى وقفة مع آخر ، إلى مكالمة مع ثالث ، يقضي الساعات الطوال في الحديث والكلام متناسياً قول النبي عليه السلام : (إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)( ) .
العرض الرابع :
دنو الاهتمامات وبساطتها وانعدام الطموح .
فالمصاب بمشكلة الفراغ ، يصاب بضعف في الاهتمامات وانعدام من الطموح؛ لأنه لا يريد أن يقضي شيئاً من وقته في أمر يتعبه ، وإنما يريد شيئاً يتناسب مع ما هو مصاب به ، فيهتم بما يزيد من فراغه . فلو سألته عن هدفه في الحياة ، لقال : لاعب ، لأن اللعب يحسنه كل أحد ، أما الأمور المهمة فلا ينالها إلاّ أفذاذ الناس وأقوياؤهم .
العرض الخامس : التكدّس في المقاهي والملاهي :
بل حدا الفراغ بالشباب إلى الذهاب للمقاهي في أوقات الدوام الصباحي وإليك هذه الإحصائية الميدانية : حيث أجريت دراسة على طلاب مدينة الرياض فوجد أن 418 طالبا من طلاب مدينة الرياض ، يذهبون أثناء الدراسة الصباحية إلى المقاهي ويدخنون الشيشة .
خامساً : أسباب هذه المشكلة :
إن الذي ينظر في هذا الفراغ العارم الذي طغى على شريحة كبيرة من الشباب يتساءل عن سبب هذه المشكلة أو قل أسباب هذه المشكلة .
فمن أسبابها : انعدام القدوة الحقيقية ، والناس لابد لهم من قدوات ليتأسوا بهم ، ويسيروا على طريقهم، ولكن وللأسف في هذا الزمان المتأخر أصبح القدوة مفقوداً ، فاتخذ الناس لهم قدوات ليسوا من أصحاب الهمم العالية ، ولا هم من أهل الإنتاج والتأثير في الحياة ، وإنما قدوات هذا الزمان شريحة لا تستحق هذا الشرف من ذوي الاهتمامات الوضيعة بل ممن يزين المعصية في نفوس الشباب.
مع أن لنا في ديننا القدوة الحية لكل زمان { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ..} ( ) .
وهذه سير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهدة على أروع المثُل لمن أراد أن يتأسى ويقتدي .
ولكن للأسف نحن أمة لا تعرف عن تاريخها وعزها ومجدها إلاّ القليل.
صح عند النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كل لهو باطل ، غير تأديب الرجل فرسه ، وملاعبته أهله ، ورميه سهمه) ( ) .
ومن الأسباب أيضاً : الغفلة عن أهمية الوقت ، وأنه كلما زادت غفلة الإنسان عن وقته ، زاد إسرافه وتبذيره لأوقات فراغه فيما لا ينفع .
يقول الحسن البصري : (يا ابن آدم ما أنت إلا أيام فإن ذهب يومك ذهب بعضك) .
إنا لنفرح بالأيام نقطعها....وكل يوم مضى يدني من الأجل
وقال أيضاً : إن من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه ، خذلاناً من الله عز وجل .
ومن الأسباب أيضاً : الجليس المفرّط الذي يقطع أوقاته شذر مذر ، فتنتقل العدوى من السقيم إلى الصحيح فيسقم، فيكونان في هدر الأوقات سواء.
كل هذا مع غياب الناصح الأمين فلا ناصح في البيت ولا في الشارع ، ولا في المدرسة ، إلا ما رحم الله ، وقليل ما هم .
ومن الأسباب أيضاً :
الفشل الدراسي : فالفاشل دراسياً شعر أنه لن ينفع في ميدان المكافحة والاجتهاد فأراد أن يثبت لنفسه العاجزة ، ولغيره من الجهلة أنه ناجح فامتهن اللعب ، واتخذ تقطيع الأوقات صنعة ، ليكبر في عين نفسه ؛ لأن الشعور بالفشل قاتل.
ومنها أيضاً .. التفكك الأسري . فلا الأب يهتم بالأبناء ، ولا الأم تراقب التصرفات ، كلٌ مشغول في اهتماماته ومشاغله ، والضحية أن يكثر عندنا البطالون وتتفاقم المشكلة ، ويدب الفساد في المجتمع ، لغفلة الناس عن الاستفادة من أوقاتهم فيما ينفعهم في الدنيا والآخرة .
قال عمر بن الخطاب : لا يعجبني الرجل يعيش سبهللاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة .
سادساً : العــلاج :
ما أنزل الله داءً إلاّ أنزل له دواء ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، وهنا لابد من ذكر علاج هذه المشكلة التي تَبَيّن لنا خطرها على الأفراد، والجماعات . وعلاجُها بإذن الله يكون بالنقاط التالية :
أولاً : تطبيق الأعراض السابق ذكرها على النفس ، فإن وجدت هذه الأعراض تَبَيّن يقيناً أن مشكلة الفراغ موجودة ، وهنا لابد من الصدق مع النفس والصراحة معها ، لأن الشعور بوجود المشكلة والخوف من تفاقمها نقطة البداية للعلاج .
ثانياً : استشعار أن الدنيا مزرعة الآخرة، فكما تزرع اليوم تحصد غداً، فالزرع الطيب ينبت بإذن الله ثمراً طيباً، والذي لا يزرع في وقت البذار ، تأوه نادماً يوم الحصاد .
قال طيفور البسطامي : إن الليل والنهار رأس مال المؤمن ، ربحها الجنة، وخسرانها النار .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه وهو يبين شدة ندمه ، على أيام انقضت ولم يقضها في الطاعة : (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي) .
هذا قول ابن مسعود الصحابي الجليل والعالم الزاهد ، فما قول المفرطين أمثالنا !
إن الليالي للأنام مناهل....تطوى وتنشر دونها الأعمار
فقصارهن مع الهموم طويلة....وطوالهن مع السرور قصار
ثالثاً : مصاحبة الجادين الحريصين على
أوقاتهم ، فإن القرين بالمقارن يقتدي ، فإذا وضعت نفسك بين ثلّة مؤمنة
تحافظ على أيامها ولياليها، وجدت نفسك في يوم من الأيام مثلهم . ولهذا قال
الله تعالى لنبيه وهو يأمره بأن يضع نفسه مع أهل الإيمان والتقوى { وَاصْبِرْ
نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ
ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } ( ) .
قال ابن سعدي رحمه الله : (فرطاً) أي : ضائعة معطلة . ودلت الآية على أن الذي ينبغي أن يطاع ويكون إماماً للناس ، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه ، فلَهَجَ بذكر الله ، واتّبع مراضي ربه ، فقدمها على هواه ، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته ، وصلحت أحواله ، واستقامت أفعاله ( ) .
رابعاً : عرض المشكلة على خبير بعلاجها من الدعاة والمربين ، فربما يعجز الإنسان أن يتغلب على المشكلة إذا كان منفرداً ، ولكن إذا كان معه من يوجهه ويساعده ، كان ذلك قوة له ، فإن الشيطان من الواحد قريب وهو من الاثنين أبعد . وكما قيل :
يواسيك أو يسليك أو يتوجع
ولابد من شكوى إلى ذي قرابة
خامساً : ملء أوقات الفراغ بالأعمال الصالحة ، كالصلوات الخمس في المساجد فهي مما ينظم وقت الإنسان ، ويكسبه الأجر العظيم ، كما قال النبي عليه السلام : (وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط) .
وقد جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) ، والمعنى : أنه ما يخرج من المسجد إلاّ ويفكر في العودة إليه ، فهو يقضي وقته بين الجلوس في المسجد وانتظار وقت الصلاة ليعود إلى المسجد .
ومنها : حفظ كتاب الله ومدارسته ، فإنه الكتاب الذي لا تنقضي عجائبه ولا يخلق بكثرة الرد .
ومنها : حضور المجالس المباركة وحلق العلم ، والأنشطة الشبابية في المخيمات والمكتبات والمدارس . فكل ذلك معين بإذن الله على حفظ الأوقات .
سادساً : تعلم بعض المهارات ، كإتقان علوم الحاسب الآلي ، وكيفية إعداد البرامج المفيدة ، والعروض الشيقة . فكم من مهارة يجهلها الإنسان لو حرص على تعلمها لفاق إخوانه وبز أقرانه .
سابعاً : الدعاء : ولم أؤخر هذا العلاج النافع لعدم فائدته وأهميته ، ولكن كل الجهود إذا لم يصاحبها العون والتوفيق من الله فهي خاسرة ضائعة .
قال ابن سعدي رحمه الله : (فرطاً) أي : ضائعة معطلة . ودلت الآية على أن الذي ينبغي أن يطاع ويكون إماماً للناس ، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه ، فلَهَجَ بذكر الله ، واتّبع مراضي ربه ، فقدمها على هواه ، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته ، وصلحت أحواله ، واستقامت أفعاله ( ) .
رابعاً : عرض المشكلة على خبير بعلاجها من الدعاة والمربين ، فربما يعجز الإنسان أن يتغلب على المشكلة إذا كان منفرداً ، ولكن إذا كان معه من يوجهه ويساعده ، كان ذلك قوة له ، فإن الشيطان من الواحد قريب وهو من الاثنين أبعد . وكما قيل :
يواسيك أو يسليك أو يتوجع
ولابد من شكوى إلى ذي قرابة
خامساً : ملء أوقات الفراغ بالأعمال الصالحة ، كالصلوات الخمس في المساجد فهي مما ينظم وقت الإنسان ، ويكسبه الأجر العظيم ، كما قال النبي عليه السلام : (وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط) .
وقد جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) ، والمعنى : أنه ما يخرج من المسجد إلاّ ويفكر في العودة إليه ، فهو يقضي وقته بين الجلوس في المسجد وانتظار وقت الصلاة ليعود إلى المسجد .
ومنها : حفظ كتاب الله ومدارسته ، فإنه الكتاب الذي لا تنقضي عجائبه ولا يخلق بكثرة الرد .
ومنها : حضور المجالس المباركة وحلق العلم ، والأنشطة الشبابية في المخيمات والمكتبات والمدارس . فكل ذلك معين بإذن الله على حفظ الأوقات .
سادساً : تعلم بعض المهارات ، كإتقان علوم الحاسب الآلي ، وكيفية إعداد البرامج المفيدة ، والعروض الشيقة . فكم من مهارة يجهلها الإنسان لو حرص على تعلمها لفاق إخوانه وبز أقرانه .
سابعاً : الدعاء : ولم أؤخر هذا العلاج النافع لعدم فائدته وأهميته ، ولكن كل الجهود إذا لم يصاحبها العون والتوفيق من الله فهي خاسرة ضائعة .
إذا لم يكن عون من الله للفتى....فأول ما يجني عليه اجتهاده
فادع الله مخلصاً من قلبك ، واسأله أن يوفقك لاغتنام ساعات عمرك فيما يرضيه …
وفي
الختام : أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن استفادوا من أعمارهم
وأوقاتهم فيما يحبه ويرضاه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . وصلى الله على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
Leave a Comment