ظاهرة الغش: انعكاساتها وآثرها على الفرد والمجتمع وكيفية محاربه هذه الافه!!

ظاهرة الغش: انعكاساتها وآثرها على الفرد والمجتمع


مقدمة:
من المعلوم أن للأخلاق مكانة قصوى في حياة الأفراد والجماعات والشعوب والأمم، حيث تعتبر العمود الفقري للمعاملات والعلاقات بين الناس أجمعين، إذ ترتبط ارتباطا وثيقا بالإيمان والصدق وتقدير المسؤولية وتميز سلوك الإنسان عن سلوك باقي المخلوقات والكائنات في ممارساته وأعماله وتحقيق أهدافه وحاجاته الطبيعية. ولا يتأتى ذلك إلا بانتهاج الفرد طرقا سليمة وأساليب مشروعة. وبقدر ما يتحلى الإنسان بالأخلاق الحميدة والمعاملات الطيبة بقدر ما يضيف إلى قيمته الإنسانية قيمة إضافية تسعده في حياته الخاصة والعامة وفي علاقاته مع محيطه الاجتماعي والثقافي.
إن الحديث عن الأخلاق الحميدة يجرنا بشكل مباشر إلى الحديث عن الاستقامة والإخلاص والنزاهة والمعاملات الفاضلة المترفعة عن الشبهات وسوء النوايا والممارسات البعيدة كل البعد عن المساس بحقوق الآخر الطبيعية وكرامته الإنسانية بأي وسيلة أو أسلوب قد يلحق به ضررا ماديا كان أو معنويا.
إلا أنه، ومع كامل الأسف، ساءت الأخلاق والمعاملات وتفشت الرذيلة في جميع الأوساط الاجتماعية، وعلى رأسها الغش بشتى أشكاله وألوانه وبمختلف مفاهيمه، حيث طال جميع الميادين ، فغزا المؤسسة التعليمية والتربوية ونخر جسدها فعلا وممارسة، كما نخر، بشكل عام، جسد المؤسسات والمجالات الاجتماعية.
فما هو الغش؟ وما هي تجلياته؟ ومن هو الغاش أو الغشاش؟ وما هي الآثار النفسية للغش على الغشاش؟ وما هي الأضرار المترتبة عن الغش على الفرد والمجتمع؟
في هذه المقالة المتواضعة، سنحاول الإجابة، قدر المستطاع، على هذه الأسئلة المحورية، والمؤسسات التعليمية، حاليا، تشهد امتحانات نيل شهادة البكالوريا وما يختلها من ممارسات مشبوهة بعيدة عن المشروعية والنزاهة، حيث الغش يغزو الصفوف وأوراق التحرير، وأضحى ظاهرة بكل المقاييس، تفشت وانتشرت وتعقدت وعسرت مناولتها وحلولها، فانعكست سلبا على أخلاقيات المهن وأخلاقيات التعامل والمعاملات في المجتمع.
I
. ما هو الغش؟
تتعدد تعريفات ومفاهيم الغش وتختلف بتعدد واختلافات مجالات استعمالها وتداولها، لكنها تستقر في مجملها من حيث الممارسة والوسيلة والغاية في كونها فعلا مذموما يتخذ من المكر والخديعة والتحايل والتزوير مطية للحصول على حاجات وتحقيق أغراض شخصية غير مشروعة وبدون وجه حق، تتمثل في انتزاع حق الآخر ومتاعه وما يمتلكه عن طريق إهانته ودوس حريته وكرامته.
والغش في أبشع صوره، نقيض النصح والفعل المستقيم، يوازي الخيانة بانتهاج أساليب المكر والخداع والمراوغة والتمويه وإخفاء الواقع لتحقيق مآرب غير مستحقة.
وقد يقترن الغش بالفساد، إذ يعتبر ممارسة غير قانونية، تروم تحقيق منافع شخصية، وتشكل في صورتها انتهاكا فظا لمنظومة المبادئ والقيم والمعايير الأخلاقية.
والغش، بشكل عام، كل فعل غير مشروع، يؤدي إلى الحصول على حق غير مشروع، بانتهاج أي وسيلة كانت، كالاختلاس والسرقة والتزوير واستغلال غفلة الآخر.
والغش حرام ومنبوذ أخلاقيا وثقافيا واجتماعيا ودينيا، حيث تحرم فعله جميع التشريعات الوضعية والتعاليم الدينية.
II
. ما هي تجليات الغش؟
ويتجلى الغش في خلط الأشياء وتغيير طبيعتها وتحريف واقعها، عن طريق الكذب والتحايل والتزييف والتدليس.
وفي المجال التربوي، يتمثل الغش في تحقيق هدف شخصي عن طريق المراوغة واستغلال غفلة الآخر، مثل التجاء تلميذ إلى النقل أو مساعدته على ذلك، من طرف شخص آخر، ممارسة أو غضا للطرف ، أو قيام أي كان، بفعل مناف للمشروعية، سواء، أثاء حصة الامتحان أو خلال إنجاز أي عملية مدرسية، وعدم القيام بالواجب على أحسن وجه، وتفضيل تلميذ عن آخر ومنح تلميذ نقطا بشكل اعتباطي وعدم المبالاة بتصحيح منتوج التلميذ وعدم احترام النصوص التشريعية والتلاعب والاستهتار والتصرف المزاجي ودوس حقوق الآخرين.
III
. من هو الغشاش؟
يعتبر غشاشا كل فرد، في أي مجال كان، يلتجئ إلى طرق غير مشروعة، كالخيانة والسرقة والكذب، معتمدا على الحيل والمكر والتزوير والتلاعب، لتحقيق أهدافه الشخصية، التي من خلالها، يلحق أضرارا مادية ومعنوية بقضايا الآخر وحاجاته. والغشاش غالبا ما ينفق أوقاتا ثمينة في البحث عن أنجع الطرق والأساليب الماكرة لتنفيذ فعله من أجل المساس بحقوق الغير. ولو أنه خصص بعضا من هذه الأوقات لتمكن من إنجاز عدة عمليات، وبطرق بسيطة ودون عناء، وحقق أهدافا مشروعة، ونال ما يرتضيه لنفسه وللناس أجمعين. والغشاش، سلوكا، شخص شرير وعنيف الطباع يعتدي على أموال الناس وأنفسهم وأعراضهم ، والغشاش، كذلك، ضعيف الشخصية، سرعان ما يتعود على أفعاله الخسيسة، ومن ثم، لابد وأن يفتضح أمره، يوماً ما، وينكشف غشه وخداعه فيصبح من الخاسرين.
IV
. ما هي الآثار النفسية للغش على الغشاش؟
إن تكرار أفعال الغش تجعل الغشاش مهووسا ومنشغلا طول وقته بالبحث عن كيفية تطوير أساليبه وطرقه، حتى لا ينكشف أمام الناس، فمن التمويه ولعب أدوارا مختلفة، إلى تقمص شخصيات والتظاهر بالجد والمعقولية، إلى اتخاذ النصح والإرشاد وسيلة، إلى الاهتمام بمظهره وهندامه وتغيير معاملاته وتعامله من حين لآخر، فهو غير مستقر نفسيا، لا يهدأ ولا يرتاح له بال، تنمو في أعماقه هستيريا الشك، يمتلكه الخوف والرهبة من أي شخص يحدق النظر إليه، منزو، يكاد، عموما، لا يظهر ضمن مجموعات الناس شعورا منه أنه غير محبوب بينهم ، أو لا يثقون به ، أو يرفضون التعامل معه.
والغشاش في خلوته، عندما يتأمل ذاته، ويراجع سلوكه، لابد وأن يتبين له أن أفعاله، هاته، التي يقوم بها تجاه الآخرين، مشينة وحقيرة، وهي بالتأكيد لا تنم إلا عن سوء التربية والتفسخ الأخلاقي، وضعف الثقة في النفس، وعدم القدرة على توظيف الإمكانات الذاتية في ما يرضيه ويرضي الناس، وفي ما يمكنه من بلوغ أهدافه بطرق مشروعة.
والغشاش عندما يفتضح أمره، يتضح له أن أفعاله لم تكن تتسم بالذكاء، ولم تكن فنا للتعامل، فيشعر حينها بالغباوة والبلادة ويظهر شخصا حقيرا منبوذا في وسطه نادما على ما اقترفه، وتلك بداية الهزيمة والاندحار والاستسلام لأدنى مصاعب الحياة وقضاياها.
V
. ما هي الأضرار المترتبة عن الغش على الفرد والمجتمع؟
يعتبر الغش جريمة، كما يعتبر التغاضي عنها أكبر خديعة ترتكب في حق المجتمع. فالغشاش في الامتحانات أو في أي مجال كان، لا يتوقع منه أن يكون أمينا ومستقيما وفاضلا، ذلك أن الفضيلة تعني استعداداً لفعل الخير ورد الشر ونبذ الفساد.
والغش مصدر الظلم الاجتماعي، وضرب مبدأ تكافؤ الفرص، ذلك أن الغشاش يزيح من هو أكفأ منه وأكثر منه كفاءة واستعدادا، ليحل محله دون وجه حق.
وهكذا ينزل المستقيم والفاضل والأمين إلى الحضيض كلما طفا على السطح من كان مستعدا للغش والفساد، فينتشر الظلم في المجتمع، وتفقد الثقة بين الأفراد والجماعات، ويهيمن النزاع والشقاق على جميع المعاملات، وتنمو ظاهرة العنف والنهب والسرقة والسطو على ممتلكات الآخرين، فتتدهور العلاقات الاجتماعية وتقف حواجز متعددة أمام التنمية البشرية والرقي والتقدم الاجتماعي.
وكلما زادت ظاهرة الغش انتشارا، كلما رام الفرد، في المجتمع، الانزواء والانطواء على نفسه، واتخذ من عنصري الحيطة والحذر سلاحا، واضمحلت قيم التكافل والتضامن، فيطال الفساد المعاملات والتعامل مع الآخرين.
والغش مصدر انتشار الأمراض والأوبئة الاجتماعية الناتجة عن ممارسات خسيسة في المعاملات التجارية والمهن الاجتماعية والاقتصادية والفلاحية والصناعية والخدماتية، تسهم في تخلف المجتمع عن مواكبة ركب الحضارة والتقدم، إذ تشهد المهارات الفردية والكفاءات العلمية والتكنولوجية انحدارا وتقهقرا.
VI
. على سبيل الختم:
يعتبر الغش آفة اجتماعية ومصدر جميع الأمراض والأوبئة الاجتماعية تحول دون رقي وتقدم المجتمعات، ولذا وجب التصدي إليها ومحاربتها بكل الطرق والأساليب، أهمها في نظرنا: 
إعادة النظر في أساليب الامتحانات وطرق التقييم التربوي وكيفية الالتحاق بالمؤسسات الجامعية ومؤسسات تكوين الأطر؛ 
تنظيم منتديات ولقاءات إعلامية وتوعوية في صفوف جميع المواطنين في جميع الأوساط الاجتماعية والمهنية مباشرة وعن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وعلى شبكة الأنترنيت؛ 
تفعيل المساطر والتشريعات وتطبيقها والضرب بيد من حديد على الغشاشين والمتلاعبين بالقوانين.

ليست هناك تعليقات

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

يتم التشغيل بواسطة Blogger.