فن التعامل مع المشكلات

فن التعامل مع المشكلات
هذه الدنيا دار ابتلاء واختبار، والعقبات والأزمات والمشكلات التي تواجهنا
في شتى ميادين الحياة، هي الأسئلة الموجهة إلينا من قبل حاجاتنا وطموحاتنا، ومن
قبل البيئة التي نعيش فيها، وكل واحد من الناس يجيب على تلك الأسئلة بطريقته
الخاصة، والتي تبلورت لديه من خلال التربية التي تلقَّاها، والأهداف التي يسعى
إليها، والظروف التي يحيا فيها.

لا بد من القول ابتداءً: إن وجود المشكلات في حياة الناس ليست عبارة عن
كوارث تحل بهم، فالقوى الكامنة في داخلنا، تظل هاجعة فينا إلى أن يوجد منبّه لها،
فتستيقظ وتنطلق، والأزمات خير منبه لها.
الأشخاص الذين لا يواجهون مشكلات ملموسة؛ كمشكلات الفقراء، أو
المعوقين، أو المقهورين، يعانون من مشكلات أخرى قد تكون أشد خطورة، وتتمثل
غالباً في الفراغ والسأم وعدم وجود بواعث على طلب المعالي، والترهل الخلقي
والشعوري، والاهتمام بالتوافه... وبذلك كله تفقد الحياة أجمل معانيها.
نتيجةً لخبرات البشرية في مسألة التحدي والاستجابة نشأ مصطلح جديد، هو


-9 التعامل مع المشكلات اكتشاف الذات
مصطلح )خيانة الرخاء(، حيث يؤدي الشعور الزائد بالأمن والوفرة، والإغراق في
الرفاهية إلى تحلّل شخصية الفرد والأمة، وإلى ضعف الحساسية نحو تحديات المستقبل.
إن كل تحد يمنح فرصة، والمحنة يمكن أن تتحول إلى منحة إذا كنا في الموقع
الصحيح، والمنحة يمكن أن تتحول إلى محنة إذا كنا في الموقع الخاطئ.
الرؤية الإسلامية في هذا المجال فريدة، حيث إن المهم ليس ما يحدث لنا، ولا ما
يتحدانا، ويعترض سبيلنا، ولا ما نظفر به، ونناله من المرغوبات والمشتهيات... ليس
كل هذا مهماً، إنما المهم: هو موقفنا من ذلك، وردود أفعالنا عليه؛ كفران النعمة يجعل
عاقبتها شقاء وبلاءً، والصبر على المصيبة يجعل عاقبتها ثواباً وتفريجاً.
ليست المشكلات عبارة عن أزمات وضائقات تعكّر مزاج الواحد منا فحسب؛
فهذه لا تشكل سوى جزء يسير من مشكلاتنا، إنما جلها يتأتى من مساحة الفجوة
بين واقعنا وبين الوضعية التي نطمح إليها.
قبل أن تفكر البشرية في عبور المحيطات، لم يكن هناك أي مشكلة تتعلق بهذا
الأمر، لكن حين جرى التفكير في ذلك وجد العلماء أن أمامهم عشرين ألف مشكلة
حتى يصبح الحلم في قطع المحيطات بالطائرة واقعاً، وهذا هو الشأن على الصعيد
الفردي -أيضاً-؛ فالذي لا يريد أن يعلّم أولاده لا يواجه مشكلة العثور على مدرسة،
ولا مشكلة توصيلهم إليها أو الإتيان بهم منها، لكنه يواجه مشكلات من نوع آخر
عاجلة أو آجلة.
التعامل مع المشكلات:
كيف يعرف المرء أنه يواجه مشكلة فعلاً، وأن ما يشعر أنه مشكلة ليس عبارة عن

] 99 [
مشاق عادية ناتجة من طبيعة العمل، أو الموقف، أو وجود طموحات كبيرة ليس لدى
المرء إمكانات لتحقيقها ؟
يمكن للمرء أن يسأل أهل الخبرة والاختصاص عن المشكلة التي يريد علاجها،
فربما حصل على إضاءات قيمة جداً، ويمكن أن يقارن أوضاعه بأوضاع أقرانه، فإذا
وجدها متقاربة؛ فهذا يعني: أنه ليس في وضع استثنائي.
إذا تبين للواحد منا أنه فعلاً في مأزق حقيقي؛ فعليه أن يتَّبع الآتي:
-1 الهدوء ضروري جداً لمن يريد تحديد جوهر المشكلة التي يعاني منها، أو نوعيتها،
أو حجمها؛ فالإنسان المتوتر المضطرب لا يملك ما يكفي من التوازن العقلي والنفسي
لإدراك المشكلة موضع الشكوى، أو التعامل معها على النحو الأمثل، والعجلة في
هذه الأمور سيئة جدًا، فالحلول الفورية تناسب المشكلات الصغيرة والطارئة، أما ما
عداها؛ فقد تؤدي العجله في حلها إلى تعقيد الأمور، ودفعها نحو الأسوء.
-2 لنحاول دائماً تجزئة المشكلة إلى أصغر وحدات ممكنة، فالإنسان المأزوم المقهور
يسرد لك قائمة طويلة من أشكال معاناته، فيُحبط نفسه، ويُحبط من يسمعه.
وهذا خطأ بالغ؛ فمشكلة مرض الزوجة -مثلاً- غير مشكلة عدم الاستيقاظ
لصلاة الفجر، غير مشكلة خلاف الشقيقة مع زوجها... إنها مشكلات يخيل للإنسان
أنها مترابطة، فيتعامل معها على أنها كتلة واحدة، وبالتالي؛ فإنه يجد نفسه عاجزاً عن
عمل أي شيء.
لنحاول قدر الإمكان وضع حواجز بين هذه المشكلات، والتعامل مع كل منها
على نحو مفرد.
-3 إياك أن تهمل المشكلات الصغيرة، فتتحول بالإهمال إلى مشكلات كبيرة؛
􀀀􀀀􀀀􀀀􀀀􀀀 􀀀􀀀􀀀􀀀􀀀 
-9 التعامل مع المشكلات اكتشاف الذات
إذ إن كثيراً من المشكلات ذو طبيعة تفاعلية، فإذا لم يُعالج لم يبق على حاله، وإنما
يزداد ويتفاقم، كما هو الشأن في كثير من أمراض السرطان، حيث إنه كثيراً ما تتوقف
احتمالات الشفاء على وقت اكتشافه ومعالجته.
-4 اطلب من الله -تعالى- المعونة وتضرع إليه، وألح في الدعاء، وتصدق على
نية تفريج الكرب.
-5 انظر في أسباب المشكلة، وهل هي بسبب سلوكك الشخصي، أو بسب البيئة
التي تعيش فيها؟ إذا كانت متولدة عن سلوكك الشخصي؛ فلا بد من تغيير السلوك،
وإذا كانت بسبب البيئة التي تعيش فيها؛ فعلاجها يطول، لكن يمكن إجراء بعض
التغيير في العلاقة مع بعض الناس، كالذي يجد أبناءه يتأثرون سلبيًّا بأبناء الجوار؛
فعليه أن يحد من علاقاتهم بهم.
-6 فتِّش عن منهج للعلاج، إذ إن من الثابت: أن أكبر عقدة في التعامل مع
المشكلات تكمن في العثور على منهج ملائم لطبيعة المشكلة.
يمكن للمرء أن يعود إلى أصحاب الخبرة ليسألهم ويستفيد منهم في ذلك، كما
يمكنه أن يقوم هو بتجريب بعض الحلول، كالذي يعاني من إعراض أحد أولاده عن
الاهتمام بدراسته؛ فإنه يسلك أساليب عدة في تحفيزه.
-7 قد لا نحصل دائماً على حلول مثالية، ولا سيما في الظروف الصعبة؛ فلنؤمن
أن لكل مشكلة حلاًّ، ولكن الحل قد لا يكون مُرضياً دائماً، فلنوطن أنفسنا على ذلك؛
فشيء خير من لا شيء.
􀀀􀀀􀀀􀀀􀀀􀀀 􀀀􀀀􀀀􀀀􀀀

هناك تعليقان (2):

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

يتم التشغيل بواسطة Blogger.