مصر:من وراء التزوير المستمر للتاريخ البشري؟؟؟

أخطر ما مر على "التاريخ الإنساني" هو عمليات التحريف العمدي والكذب المتلاحق؛ لأسباب الغرض منها الاستحواذ والسيطرة على حكم الشعوب، وتطويعها ومن ثم التحكم في العالم والسيطرة على المصالح المختلفة لدوله وشعوبه وأجناسه وأديانه: وقد حدث هذا قديماً وحديثاً؛ لكي تستمر الهيمنة الدينية 
والاقتصادية والعسكرية "مستمرة" في الجنس الأبيض والخاضعين له، بعدما كانت "قديماً" الأرض المعمورة كلها تحكم من مصر وتمر تجارتها من مصر وتنتشر فيها الديانة المصرية التوحيدية أو تأتي إليها "القوى" الكبرى لتغزوها وتستخدم "القوة المصرية" في مزيد من السيطرة على العالم المعمور.

ولذلك كانت مصر صانعة التاريخ هي الأرض التي جرت على أرضها العملية الأكبر والمستمرة للتلاعب بالحقائق وتزييف التاريخ؛ وقد صنع هذا التلاعب، بعض الذين وفدوا إلى مصر بعدما قد أصبحت خاضعة لهم بالاحتلال، كما فعله أيضاً بعض المصريين والأسر الحاكمة في الحقب التاريخية المختلفة من أجل الاستحواذ على الحكم. وفي التاريخ الحديث وقبل 200 فقد فعل ذلك "محمد علي" وخلفاؤه إلى أن حدث "انقلاب يوليو/تموز الأول" واستولى ضباط من الجيش المصري على السلطة وتداولوها بينهم واحتكروها في أنفسهم وطائفتهم إلى الآن، وتمت صناعة طبقة من العسكريين تمكنت من "التوغل" في كافة نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والمؤسسية في الدولة المصرية.

ورغم كل التزييف الذي تم عبر التاريخ الإنساني وخصوصاً في حاضرته "مصر": لا أظن أن الحياة البشرية تنتهي إلا بعد فترة زمنية معقولة من تصحيح كل هذا التزييف الذي تم على التاريخ المصري وبالتالي التاريخ الإنساني عبر ثورة كبيرة وشاملة من "الوعي"، ومثلاً فإن التاريخ الإنساني الحقيقي يكشف أن البشرية قد عرفت ومارست ديانات توحيدية، قبل الديانات اﻹبراهيمية: اليهودية والمسيحية واﻹسلام والذين يربطهم اﻷصل الواحد، ولكن التلاعب في التاريخ والتلاعب بالوعي البشري، صور اﻷمر وكأن البشرية لم تعرف "الديانات التوحيدية" إلا مع "الديانات اﻹبراهيمية" وما قبل ذلك يحسب على أنه من "الديانات الوثنية" في حين أن التاريخ الموثق يؤكد أن "الديانات اﻹبراهيمية" نفسها ذات أصل مصري قديم، بل إن المسيحية الموروثة اﻵن، هي في معتقدات كثيرة لها عبارة عن "استعارة واقتباس صريح" من الديانة المصرية "اﻷوزورية" وأن كنيسة اﻹسكندرية في نهاية القرن الثالث الميلادي، قد أخذت من "اﻷوزورية" رؤيتها الخاصة لميلاد المخلص البشري بدون أب.

ويفسر أستاذ تاريخ الدين المسيحي "عزيز سوريال عطية" في كتابه "تاريخ المسيحية الشرقية" الصادر في طبعته الجديدة عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب" في القاهرة في سنة 2012 عن التشابه ما بين "اﻷزورية التوحيدية" التي سبقت ميلاد المسيح عيسى وبين عقائد في "المسيحية الجديدة" التي بدأت كنيستها تكتسب المشروعية في الدولة الرومانية المتأخرة في بداية القرن الثالث الميلادي فقط: بأن اﻹيمان المسيحي الجديد ومبدأ التثليث كان له نظيره لدى قدماء المصريين عن طريق الثلاثي: أزوريس وإيزيس وحورس. وأن قيامة "أزوريس" من الموت كانت مشابهة لقيامة السيد المسيح بعد آلامه وقبره، وأن قصة الملك المصري المتأخر "حور محب" الذي حبلت أمه به عن طريق روح اﻹله "آمون" وولد من عذراء، هي قصة مشابهة لميلاد المسيح.

وهنا يبدأ التشابه المتطابق في القصص التاريخية؛ بين التاريخ المصري المحجوب وبين الديانات اﻹبراهيمية، فمثلا أخذ المسيحيون عن المصريين القدماء، علامة الحياة اﻷبدية "عنخ" Ankh والتي كان يمسكها الخالدون المصريون في أيديهم وصارت هي "صليب" المسيحية الجديدة، التي عرفته المسيحية ﻷول مرة، رمزاً لها في عهد حكم اﻹمبراطور الروماني "قسطنطين" (306 م - 337 م) بعدما حاولت المسيحية الجديدة إبادة "المصريين الموحدين" وقتلهم وتشريدهم وقد هاجر كثير من هؤلاء "المصريين" فراراً بدينهم إلى شتى أنحاء العالم المعمور وقتها.

وقد ورثت المسيحية الجديدة كل رموز الديانة المصرية التوحيدية بعد إفناء "المصريين الموحدين" بها أو إجبارهم على التحول إلى "المسيحية الجديدة،" ومثلاً استعار المسيحيون رسم "حورس" وهو يحارب شيطان الشر "ست" لرسم القديس "مارجرجس" المسيحي الروماني وهو يحارب التنين.


وقد استخدم المسيحيون لنشر "المسيحية الجديدة" نفس الترانيم المصرية القديمة ونفس قصص أبطال حوادث الديانة المصرية، بعد تعديل هذه القصص، وكان ما تم ليس فقط إبادة للمصريين الموحدين بالاستعانة بالدولة الرومانية وجيوشها في مصر، بل كان استيلاء علي ديانة كاملة راسخة في معتقدات البشر وجرى بعد ذلك عملية مستمرة لتزييف التاريخ المصري، بدأت منذ ذلك الحين واستمرت حتى الآن.

لقد جرى طمس التاريخ المصري القديم والديانات المصرية ودون اﻹشارة إلى إسهامهم الواضح في الديانات التالية، فقد كانت الديانة المصرية "اﻷوزورية" هي التي قدمت للبشرية معنى "الاستشهاد" وتفسيرها بأن الشهيد يبعث حياً في جنة الخلود.

وكانت كلمة "شهيد" التي استخدمت بعد ذلك بكثرة في "المسيحية الجديدة" وفي "اﻹسلام" نقلاً عن معناها في الديانة المصرية القديمة، إلا أن "المصرية القديمة" كان يمتد تعريفها للشهيد ليشمل كل من كان يلقى حتفه أيام الاضطهادات، في سبيل عقيدته الدينية.

وقد استخدمت صفة الشهيد للرمز إلى "الشهيد الحي: أوزوريس" أول المدافعين عن مصر ضد رب الشر "ست" وقد أطلقت أيضاً صفة الشهيد في مصر القديمة لوصف "الغارقون في النيل"، وهم "الشهداء الذين تعمدوا بالماء المقدس لأوزوريس"، وكان المصريون: هم أول من حرم لحم الخنزير؛ باعتبار "الخنزير" رمزاً للإله "ست" ممثلاً للشر وقد استشهد كثير منهم، عندما رفضوا في العهد اﻹغريقي تناول هذا اللحم، وخصوصاً في عهد الملك أنطونيوس الرابع (176 / 163 ق.م) وقد ظل التلاعب في تاريخ المصريين مستمراً من أجل التلاعب بوعيهم والسيطرة السياسية والدينية والاقتصادية، على مصائرهم: عهود وراء عهود.. حتى جاء انقلاب 23 يوليو/تموز 1952 ليقود حملات من تغيير وتغييب الوعي؛ ليصنع من الانقلاب العسكري ثورة، بل إن التلاعب الآني في الوقائع؛ لكي يتأسس عليها تلاعب في الوعي والتدوين، في عهد "انقلاب يوليو/تموز الثاني" يفوق إلى أقصى حد، كل عمليات التلاعب في التاريخ المدون للمصريين.

ليست هناك تعليقات

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

يتم التشغيل بواسطة Blogger.