سقوط الدولة المملوكية في مصروعبرمن التاريخ الماضي

قبل الفتح العثماني لمصر عام 1517م بأعوام عديدة، زرع العثمانيون في مصر المستقلة رجلين من أخبث الرجال، ساعدوهما بالمال والمعلومات، كان أولهما شخصاً عُرف تاريخياً باسم "الزيني بركات بن موسى" وهو رجل ظهر فجأة في القاهرة، وقد اشتهر عنه العلم الغزير والحكمة والرأي الصائب لمن يستشيره في كل النواحي، من الدين إلى التجارة، إلى شتى أمور الحياة، حتى بات ملء السمع والبصر!

ولأن الأمر ليس من فراغ فقد رشَّحه "خاير بك الجركسي" وهو أحد أهم أمراء المماليك والذراع اليمنى للسلطان قنصوه الغوري سلطان مصر؛ ليكون محتسباً للقاهرة وآمراً على الذخيرة!

ومن العجيب والمثير في نفس الوقت أن "الزيني بركات" عندما عرض عليه السلطان المنصب، رفض رفضاً باتاً، متعللاً بأنه لا يطيق أمور الحكم، أو أن يبيت وهناك مظلوم يدعو عليه!

واستبشر الناس خيراً بهذا الرجل الورع، وظنوا أنه هو الأولى والأجدر بتولي المنصب، وقبل الزيني بركات المنصب الكبير والخطير بعد إلحاح شعبي!

وبعد توليه المنصب، قرر الزيني بركات إقامة جهاز بصاصين محترف ومدرب بشكل غير عادي وظيفته التجسس لصالحه فقط على كل شيء وشخص في مصر، وكان هذا أول جهاز مخابرات داخلي ينشأ في مصر، وما لبث أن كشَّر الرجل عن أنيابه في الخفاء وبدأ بجمع الإتاوات الخفية من كبار التجار والأعيان وبفضل جبروت البصاصين كممت الألسنة، حتى قبل الناس الظلم واعتادوه حتى ضاقوا بالسلطان قنصوه الغوري وهو لا يعلم!

وكان هذا الرجل من أهم أسباب تمهيد سقوط الدولة المملوكية، ووقوع مصر تحت الحكم العثماني ونهاية عهد استقلال مصر!

أما خاير بك الجركسي، -وهو الرجل الثاني- في فقد لعب الدور الأكبر في مساعدة العثمانيين على حكم مصر؛ حيث انسحب بقواته وتبعه بعض القواد الآخرين وانضموا إلى جيش العثمانيين في معركة مرج دابق عام 1516م، وكان من نتيجة هذا هزيمة جيش المماليك، وكرر خاير بك هذا الدور في معركة الريدانية؛ حيث عمل على نشر بذور الفتنة بين قواد المماليك، مما تسبب في السقوط المروع لدولة المماليك نهائياً ونهاية الاستقلال الحقيقي لمصر!

والمثير للسخرية أن الرجلين قد حصلا على مكافأة تناسب خدمتهما للدولة العثمانية، فقد ظل الزيني بركات في منصبه محتسباً على مصر يذيق شعب مصر الويلات، أما "خاين بك" -كما سمَّاه المصريون- فقد ولاه السلطان سليم الأول حُكم مصر بعد أن ضمت كدولة تابعة للدولة العثمانية، وقد حكم خاين بك مصر مدة خمس سنوات، وكان عهده عهد قسوة وعنف وساءت أحوال البلاد والعباد.

ليست هناك تعليقات

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

يتم التشغيل بواسطة Blogger.