البشعة” إحدى درجات التقاضي البدويةالتي يراها الطب “خرافة” ويصفها الدين بـ”دجل ومكائد للشيطان”تعرف عليها

هي أحد الموروثات القديمة، التي فرضتها الطبيعة القبلية والحياة الجبلية لمعيشة البدو، واتخذتها قبائل الصحراء، أسلوبًا للتقاضي بين أبناء العشائر المختلفة. 
“، موروث ثقافي قديم، يتم الأخذ به، عندما يحيل القاضي “العرفي”، قضية الخلاف إلى قاضي “المبشع”، عندما يتنصل أحد الأشخاص من اتهام موجه إليه، دون وجود شهود، مما يدفع القاضي العرفي لإحالة القضيه إلى القاضي المبشع؛ للفصل في الخلاف القائم بين طرفي النزاع.
والبشعة إجراء عنيف، لا يتحمل لهيبه، سوى “صادق القلب” و”سليم النية”، الذي سيقبل إمرار “سكين” أو قطعة من الحديد أشبه بـ”الطاسة”، تحول لونها للأحمر – من طول الفترة التي مكثتها على النيران- سيقبل بوضعها على لسانه؛ لبيان من الكاذب ومن الصادق في قضايا الخلاف، ومن اللافت أن يصاب الكاذب في لسانه، بما يعد تأكيدًا أمام الحضور، أنه من ارتكب الفعل أو الجريمة، وأن الصادق لا يصاب بمكروه. 
عبّر الفن، عن استخدام البشعة في الموروث الثقافي البدوي، ولعل أبرز ما عبر عن طريقة التقاضي بها، ما جسده الفنان محمد صبحي في مسلسل “سنبل بعد المليون”، وتنتشر إعلانات البشعة على جانبي الطرق من محافظة السويس وحتي السادس من أكتوبر، مرورا بأكثر من 5 محافظات على الأقل، وتنتشر كذلك إعلانات إجاء البشعة على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يعني أنها من المهن المجزية ماديا.
وتتنوع القضايا المقدمة للبشعة، ما بين الخوض في الأعراض، والسرقات والتعديات على حرمات البيوت والقطاعات.
ويعقد القاضي المبشع -كما يلقبونه- جلسة واحدة لإعادة الحقوق إلى أصحابها، لا تقبل نقضًا أو استئنافا، كما يحصل القاضي على أجر رمزي حسبما يتردد، ويدعي القائمون على العمل في البشعة، أن سرها يحتفظ به المبشع وحده، ولا يطلع عليه سواه؛ للاحتفاظ بسر المهنة.
دفع تلك الحقائق حول البشعة “بوابة الأهرام” في تقصي الحقيقة حولها، عرفيًا وعصبيًا وشرعيًا، خاصة أنها غريبة على مجتمعنا الذي يحكمه القانون وليس “الخرافات” كما يراها البعض.
الشيخ أحمد فرج الجبالي -قاض عرفي- قال لـ”بوابة الأهرام” إن البشعة من الموروثات الثقافية التي تربينا عليها، وورثناها عن أجدادنا ونورثها لأحفادنا، حيث يأتي قاضي “البشعة” عند رقم 11 في قائمة القضاة العرفيين، كما يوجد قاضي “منقع الدم” في قائمة القضاة العرفيين المختصين بنظر جرائم القتل والقصاص.
ويضيف الشيخ الجبالي، بينما يأتي القاضي “الضريبي” في الترتيب الثاني، ويختص بإحالة القضايا للقاضي المختص، فيما يأتي القاضي “الأحمدي” في الترتيب الثالث بقائمة القضاة العرفيين، ويختص في جرائم حرمة البيوت، ويأتي القاضي “الزيادي” في الترتيب الخامس، ويختص في قضايا السرقات والسطو على الحيوانات. 
ويأتي القاضي “العقبي”، في الترتيب السادس، ويختص في قضايا شئون المرأة والأسرة، ويأتي قاضي “القطاعات” في الترتيب السابع، ويختص في قضايا نزاعات الأراضي، أما القضاة “الكبار” يأتون في الترتيب الثامن، وهم عبارة عن ثلاثة قضاة عرفيين، يتم اختيارهم من كبار العرب سنًا وخبرة في القضايا العرفية، ويختصون في تحديد الجلسة وإحالتها للقاضي الضريبي، فيما يأتي القاضي “المسعودي”. 
في الترتيب العاشر، ويختص في النفي أو إثبات الجريمة على المدعى عليه، ثم يأتي قاضي “البشعة” في الترتيب الحادي عشر في ترتيب القضاة، ويختص في القضايا الكبرى التي يصعب على القضاة أخذ القرار فيها.
 
ويشير الشيخ الجبالي، إلى أن قاضي البشعة، يكون قاضيا معتمدا لدى جميع أبناء القبائل البدوية؛ لحسن سمعته وسيرته والتزامه بالحق، والحكم الذي يصدره على المتهمين، خاصة أن البدو يعتقدون بأن قاضي البشعة ليس صاحب مصلحة وقراره نافذ على الجميع، لافتا إلى أن عمله يتساوى بعمل الطبيب الشرعي ورجال الأدلة الجنائية في القانون الوضعي.
وأوضح القاضي العرفي، أن قاضي البشعة يجلس مع كل طرف من أطراف النزاع، كل بمفرده ليعرف الحقيقة من كل طرف، ويصل به إلى لحس النار؛ للوصول إلى الحقيقة الغائبة من خلال عدة عوامل منها، ارتباك المتهم المقبل على لحس النار، والخوف من فقد لسانه؛ لقاء قيامه بالجرم، ويعد من الموضوعات النفسية ليس أكثر، حيث إن ارتباك المتهم يؤدي إلى جفاف الفم واللسان والشفاتين ومن ثم تظهر علامات الخوف باعتباره مدانا، ومع كل هذا يقدم على لعق النار، مما يؤدي إلى حرق اللسان ليظهر الحق ويزهق الباطل.
ويلفت القاضي العرفي، إلى أن قاضي البشعة، يحصل على مبلغ من المال يتراوح من 100 إلى 1000 جنيه، من كل طرف من أطراف النزاع، مقابل إقرار الحقيقة، مؤكدا أن البريء يكون طبيعيا رغم إقباله على لعق طاسة النار؛ لإثبات حقه في القضية ويبرئ ساحته.
ويعلن الشيخ الجبالي، عن أن التقاضي بالبشعة أظهر الكثير من الحقائق في الجرائم، خاصة جرائم القتل والأعراض والسرقات التي تكون من كبريات الجرائم، كما يشهد لقاضي البشعة بالنزاهة والشفافية وهو ما يجعله القاضي الوحيد الذي لا يخضع لسلطة القبائل أو المشايخ، رافضًا أن يطلق على البشعة نصب أو دجل أو شعوذة، فهي موروث ثقافي، ويأخذ بقراره في كل القضايا.
وحول رفض المدعى عليه، المثول أمام قاضي البشعة، فيلجأ القاضي العرفي لإحالة الأمر على الفور لساحة حلف اليمين، وتكون في أي مسجد، ولابد أن يشهد معه 4 من أقاربه من الدرجة الأولى والثانية على صحة ما يقول، ولا يمكن أن يحلف 4 أشخاص كذبا، مهما حدث.
من ناحية أخرى، يقول الدكتور حمادة زهري، استشاري الأمراض العصبية، أن العرب والمقيمون في المحافظات الحدوديه كسيناء ومرسى مطروح والوادي الجديد، يلجأون في التقاضي للبشعة؛ للفصل في قضاياهم الخلافية، بعيدا عن الجهات الأمنية.
وتستمد البشعة اسمها من “بشاعة” المحاكمة، حيث يتم تقريب قطعة حديد متوهجة بعد وضعها في النار لساعة ونصف كاملة من وجه المتهم، ليلعقها بلسانه، فإذا كان بريئًا لن يشعر بألم وإن كان مذنبًا ستحرق النار لسانه، ويرجع ذلك إلى عوامل نفسية وعصبية تتحكم في الشخص الذي يتعرض لتلك التجربة القاسية والبشعة.
وطالب الدكتور زهري، بضرورة عدم التعويل على جفاف اللعاب الكاذب نتيجة الخوف، فقد يكون الطرفان من الذين يعانون من الرهاب، فكيمياء جسم الإنسان تتغير بمجرد توجيه الاتهام للشخص دون أن يكون مذنبًا.
 
واستغرب أنه مع التقدم التكنولوجي الهائل الذي شهدته المجتمعات العربية، وارتفاع معدلات الكشف عن الجريمة بالطرق الحديثة، إلا أن البعض لا يزال يلجأ إلى طرق قديمة، تعد من أشكال السحر والشعوذة، ويري أن التقاضي بهذه الطريقة تهدف لجمع مبالغ كبرى، مما دعى إلى انتشار إعلاناتها على الطرق.
من جانبه يؤكد الشيخ هاني عبد العزيز حسن -واعظ بمنطقة وعظ جنوب سيناء الأزهرية- إن البشعة ليس لها أي أساس من الصحة، كما أنها ليس لها أي أساس شرعي، لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله، مشيرا إلي أنها من الخرافات، مثل الدجل والشعوذة، حيث إن القائمين عليها يعملون على تأثير العامل النفسي للمقبلين على فصل النزاع، ويقول الرسول الكريم “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ”.

ويشير الشيخ “عبد العزيز”، إلى أن البشعه يعد من أمور الدجل، والتي تندرج تحت مكائد الشيطان، من خلال خلط الحق بالباطل، وقد علّمنا رسولنا الكريم في حالة الاتهام، أن تكون البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، لافتا إلى أن البعض يلجأ إلى البشعة لعدة أسباب، منها أنهم يتحرجون من الذهاب إلى القضاء أو ساحات المحاكم لما فيها من طول فترة التقاضي، وعدم سرعة الفصل في القضايا.
وأوضح أن ديننا الحنيف قد علمنا طرق الفصل في مثل هذه القضايا، أولا بأن نحتكم إلى القضاء أو المجالس العرفية، وكلاهما يأخذان بهذا الأمر “البينة على المدعي واليمين على من أنكر”.
وبعد ما أوضحه رأي العلم وحكم الدين، هل ستظل البشعة حاكما للفصل في القضايا بين أطراف النزاع؟
 المصدر: الأهرام

ليست هناك تعليقات

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

يتم التشغيل بواسطة Blogger.