اشتباكات السودان.. خطر الحكم العسكري

**اشتباكات السودان.. خطر الحكم العسكري**

- النهاردة السبت٬ بدأت اشتباكات بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان٬ ومليشيا الدعم السريع اللي بيقودها محمد حمدان دقلو الشهير بـ حميدتي.
- الاشتباكات بدأتها قوات الدعم السريع الصبح النهارده لرفضها الاندماج في الجيش وانتشرت في مناطق العاصمة الخرطوم وأماكن تانية في البلد٬ ورد الجيش بضرب قواعد الدعم السريع بالطيران٬ ووصلت المواجهات محيط القصر الرئاسي ومقار إقامة كل من البرهان وحميدتي.

- كل تمنياتنا بالسلامة والأمن لأهلنا في السودان الشقيق على خلفية الصراع المفتوح دا، واللي هيكون المتضرر الأول منه الشعب السوداني.

- إيه اللي بيحصل؟ وإيه هي قوات الدعم السريع؟ ليه فيه صراع بينها وبين الجيش؟ إيه علاقة الصراع بالمشهد السياسي السوداني المعقد حاليا؟

***
إيه اللي بيحصل؟ 

- الاشتباكات دي كان بداية تصاعدها من يوم الخميس، لما بدأت التوترات تظهر في السودان بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني بسبب خلافات متصاعدة أبرزها رفض قوات الدعم السريع الاندماج في الجيش.

- الأزمة الحالية جت على خلفية إن قوات الدعم السريع حاولت تبني سور ومرافق في أرض قريبة من المطار في مدينة مروي شمال السودان، وتعسكر فيها.

- الجيش رفض وطالب قوات الدعم السريع بالانسحاب من المنطقة، لكن قوات الدعم السريع بدأت تتجمع وتتمركز قرب المطار، ورد الجيش بالتجمع في المطار، وفي نفس الوقت قوات الدعم السريع بدأت تنتشر في الخرطوم وفي مدن سودانية تانية.

- الجيش أصدر بيان عنيف ضد تحركات الدعم السريع، وحذر من صراع أمني معاها، لكن الدعم السريع لم تتوقف تحركاتها.

- البداية كانت بإعلان قوات الدعم السريع تعرض معسكر تابع لها جنوب الخرطوم للهجوم٬ بعدها الجيش أعلن محاولة الدعم السريع السيطرة على مواقع الجيش.

- متحدث باسم الجيش قال لوكالة الصحافة الفرنسية إن الوضع ببظهر فيه قوات الدعم السريع بتحاول السيطرة على مواقع الجيش في الخرطوم وولايات مختلفة والقوات بتتصدى لها.

- قوات الدعم السريع ادعت إنها سيطرت على القصر الرئاسي وبيت الضيافة ومطارات الخرطوم ومروي والأبيض.

- أما تصريحات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أكدت إن قوات حميدتي هي اللي بادرت بالهجوم على المقرات في بيت الضيافة٬ وكذلك تحرشت بالجيش بالرياضية جنوب العاصمة٬ وتسللت داخل مطار الخرطوم عن طريق ساحة الحج والعمرة وأحرقت طائرات٬ وهاجمت القوات مقر إقامته.

- البرهان أكد إنه الوضع تحت السيطرة وبإمكانه إدخال قوات للخرطوم لو استمرت حالة الحرب٬ وإنه لسه فيه قواعد للجيش متحركتش واحتياطات كافية٬ وأكد أن القيادة العامة تحت السيطرة ومحدش دخلها.

- أما تصريحات حميدتي فكانت بتحاول تظهر إنهم بيلاحقوا البرهان شخصيًا٬ وكأن اللي بيحصل دا مش تمرد ضد الجيش ومحاولة الاستيلاء عليه وعلى السلطة! بل وبيتلاعب بالكلام وبيقول إنه مع عودة الجيش لثكناته وترك الحكم.

***

إيه هي قوات الدعم السريع؟

- سنة ٢٠٠٣، ظهر تمرد مسلح ضد الحكومة السودانية برئاسة عمر البشير في منطقة دارفور وجنوب كردفان بقيادة جماعتين هما حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان، بسبب التهميش السياسي والاقتصادي اللي بيتعرض له الإقليم.

- في إطار النزاع المسلح ده، بدأت الحكومة السودانية تعتمد على ميليشيات غير تابعة للجيش من القبائل الموالية لها في المنطقة، وأطلق عليها ميليشيات الجنجويد.

- كأي ميليشيات غير نظامية، يعني مش خاضعة للقانون بأي شكل، الجنجويد كانوا شديدي العنف ضد المتمردين وضد كل سكان المنطقة٬ وكان حميدتي واحد من رؤوس المليشيا دي واللي ارتكبوا في دارفور أبشع الجرائم وصلت لحد التطهير العرقي والإبادة الجماعية.

- حميدتي مكنش ضابط جيش ولا درس أي علوم عسكرية ولا اتلقى أي نوع من التعليم الأكاديمي بل كان مجرد تاجر أبل، واتحول لقيادي في مليشيا الحكومة بتطلب مساعدتها.

- في ٢٠٠٧ اتمردت المليشيا دي على الجيش السوداني نفسه لأول مرة٬ عشان الحكومة تأخرت في دفع الرواتب٬ وكذلك حميدتي كان طمعان ياخد مكاسب شخصية مش بس مالية٬ ووقتها الحكومة سمعت الكلام بشكل مهين٬ وادته مش بس الرواتب بأثر رجعي بل وكمان تم منحه رتبة عسكرية عميد وهو زي ما قلنا لا درس عسكرية ولا له علاقة بالجيش.

- سنة ٢٠١٣، وتحت ضغط توحد الحركات المسلحة ضد الحكومة ضمن تحالف اسمه الجبهة الثورية السودانية، قرر عمر البشير تنظيم الميليشيات دي في تشكيل عسكري أسماه "قوات الدعم السريع" وعين على رأسه محمد حمدان دقلو بعد ما قضى على منافسيه في المليشيا من أبناء عمه وأبرزهم موسى هلال٬ واستولى هو ومليشياته على جبل عامر الغني بالذهب.

- بعد الإطاحة بعمر البشير في أبريل ٢٠١٩، تحالفت قوات الدعم السريع دي مع القيادة العامة للجيش، وأصبح حميدتي الرجل الثاني في القوى العسكرية الحكومية بعد عبد الفتاح البرهان قائد الجيش.

- استقلال القوات دي عن المؤسسة العسكرية بيسمح لها بنفوذ واسع وبأنشطة سياسية واقتصادية كتيرة وخطيرة، زي مثلا التجارة في النفط والذهب في المناطق الإقليمية الخاضعة لسيطرتها.

- كمان بتلعب دور المرتزقة زي ما ظهر في الحرب الأهلية اليمنية والحرب الأهلية الليبية، ومن خلال لعب الدور ده بتشكل علاقات مباشرة مع بعض اللاعبين الإقليميين، زي الإمارات تحديدا اللي على علاقة وثيقة مع حميدتي.

- كمان بتقدم خدمات أمنية داخل السودان لقوى دولية مختلفة، من ضمنها الاتحاد الأوروبي اللي قوات الدعم السريع جزء من السياج الأمني اللي بيشكله في إفريقيا ضد اللاجئين الأفارقة اللي كتير منهم بيمر عبر السودان، خاصة الإريتريين والإثيوبيين.

- حميدتي كمان عنده علاقات مباشرة مع حكومة آبي أحمد في إثيوبيا ونظام آسياس أفوركي في إريتريا، وبيختلف مع موقف المؤسسة العسكرية اللي مش متوافق أوي مع إثيوبيا.

***
إيه سبب الصراع الحالي؟

- في أبريل ٢٠١٩، الجيش السوداني عزل الرئيس عمر البشير، لكن الاحتجاجات استمرت مطالبة بتسليم السلطة للقوى السياسية المدنية اللي تجمع أغلبها في تحالف اسمه قوى الحرية والتغيير. التحالف ده وقع اتفاق سياسي مع الجيش في يوليو ٢٠١٩ على إجراء انتخابات بعد ٣ أعوام و٣ شهور.

- في أكتوبر ٢٠٢١، الجيش قرر عزل رئيس الوزراء حمدوك واحتجازه وعدم تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، وبالتالي الانقلاب على الاتفاق السياسي كله، واستغل طبعا الغضب الشعبي من الفشل الاقتصادي لحكومة حمدوك خلال الفترة اللي قبلها.

- في المقابل، انقسمت قوى الحرية والتغيير وبدأت تتشكل لجان مقاومة شعبية ثورية ضد الحكم العسكري، واستمرت على مدى عام احتجاجات قوية جدا ضده.

- في ديسمبر ٢٠٢٢، الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة إيجاد رعوا اتفاق سياسي بين الجيش السوداني وقوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، اللي هي المجموعة من قوى الحرية والتغيير اللي رفضت انقلاب أكتوبر ٢٠٢١، واللي بيسيطر عليها حزبين بالأساس، هما حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر السوداني.

- الاتفاق الإطاري زي ما تم تسميته وقتها نص على تسليم السلطة بالكامل للمدنيين خلال ٣ شهور من خلال مجلس سيادة مدني شرفي، ورئيس وزراء مدني يترأس مجلس للدفاع والأمن يخضع له كل الأجهزة الأمنية والعسكرية.

- لكن الاتفاق الإطاري ده كمان نص على دمج قوات الدعم السريع وأي حركات مسلحة في الجيش السوداني علشان يتشكل جيش واحد مهني ووطني، وينسحب كمان الجيش ده وكل تشكيلاته من الحياة السياسية والاقتصادية.

- بدأت المداولات لتنفيذ النقطة دي خلال الشهور اللي فاتت: الجيش عايز يتم دمج قوات الدعم السريع بشكل كامل خلال عامين، وتخضع للقائد العام للجيش (الفريق عبد الفتاح البرهان)، وتتخلى عن أي أنشطة اقتصادية لها، وتسرح المجندين بعد أبريل ٢٠١٩ منها، ويعاد تأهيل المجندين فيها.

- قوات الدعم السريع نظريا موافقة على الدمج لكن عمليا عايزاه يتم بدون تسريح أو تأهيل، وعلى مدى عشر سنين، ويستمر خضوعها مباشرة لرئيس الوزراء وليس لقائد الجيش، يعني عمليا بتفرغ الدمج ده من مضمونه٬ وتفضل قوات الدعم السريع مليشيا موازية غير خاضعة للقانون أو للسلطة٬ يعني تبقى مؤسسة موازية تعمل اللي هي عايزاه بدون رادع.

***

إيه أثر ده على التحول الديمقراطي في السودان؟

- المشهد الحالي طبعا هو انفجار الاتفاق الإطاري اللي هو أصلا كان اتفاق هش، ورفضته معظم القوى الثورية (لجان المقاومة الشعبية وتجمع المهنيين والحزب الشيوعي) اللي رافضة أي اتفاق مع الجيش، بل واستمراره معناه دخول السودان حرب أهلية محدش يعرف مداها وأبعادها.

- فيه احتمال إنه وساطات إقليمية ودولية تقدر توقف الحرب وتحديدا الإمارات اللي لها علاقات قوية مع الطرفين٬ لكن التسوية دي ملهاش معنى غير رجوع الوضع لما كان عليه جيش وقوات خارج السيطرة بتهدد الدولة ككل مش الجيش فقط. ودا معناه احتمال وقوع الحرب دي تاني بل وممكن يحصل انقلاب عسكري واستمرار للأنشطة الاقتصادية المشبوهة للأجهزة العسكرية السودانية.

- حصول التسوية دي كمان بهذا الشكل برده ممكن يؤدي إلى تراجع النفوذ المصري في السودان القائم بشكل أساسي على العلاقة المباشرة مع المؤسسة العسكرية السودانية.

- الدرس الأساسي اللي ممكن نتعلمه من المشهد ده كله هو مدى خطورة تشكيل أجهزة عسكرية موازية للجيش النظامي الوطني، واللي بتتحول عمليا من مؤسسات دولة لميليشيات لا يمكن السيطرة عليها.

- المشكلة التانية هي انخراط الأجهزة العسكرية دي في أنشطة اقتصادية وعلاقات أمنية مع أطراف إقليمية. الممارسات دي بتحول الأجهزة العسكرية دي برده من مؤسسات دولة لتنظيمات خاصة بتدور على مصالحها مش على المصلحة الوطنية العامة، وبتتدخل في السياسة بشكل يهدد استقرار الدولة بهدف ضمان المصالح دي.

- الجيوش والمؤسسات العسكرية لازم تفضل مؤسسات محترفة بعيدة عن أي نشاط اقتصادي يخليها تتحول لمؤسسة بيزنس عندها مصالح خاصة بره رقابة الدولة ونظام الحكومة المدنية.

***
إزاي بنشوف كل دا؟

- اللي بيحصل في السودان اسمه تمرد مليشيا أخذت أكبر من حجمها في ظل النظام السابق وكان الواجب تفكيكها ومحاكمة قادتها بدلا من منحها شرعية.

- بل وانقلب السحر على الساحر وشاركوا في الإطاحة بالبشير سابقًا، ودلوقتي مش بس قابلين بدورهم والمكاسب الاقتصادية٬ وبدل ما تلتزم بالاتفاقات وتخضع للمؤسسة العسكرية الرسمية عايزين يتخطوها زي ما تخطوا كل الأعراف والقوانين بل وبيسعوا للاستيلاء على البلد كلها.

- حتى ولو فيه لقوات الدعم السريع علاقات إقليمية ومصالح٬ إلا إنها هتظل مليشيا مينفعش تعمل خارج إطار الدولة ومؤسساتها.

- الشعب السوداني رفض محاولة الانقلاب العسكري الأول، ورفض أسلوب المليشيات في السياسة٬ ودفع تمن دا غالي من دم شبابه.

- الحل زي ما بنقول ونكرر خضوع أي قوات لحكم القانون٬ ووقف أي محاولات انقلابية للقفز على السلطة بل وعلى مقدرات البلد كلها٫ كذلك ضد التوسع والسيطرة الاقتصادية على ثروات السودان٬ ووقف عمليات النهب لها بالتعاون مع أطراف من خارج السودان.

- السودان كان ممكن يتجه نحو الاستقرار لو مكنش حميدتي وقواته قرروا زيادة تعقيد المشهد بالمحاولة الانقلابية اللي هتدخل البلد في حرب أهلية.

- اللي بيحصل في السودان كذلك بيقول قد إيه مهم يكون فيه ديمقراطية وحكم القانون والدستور وانتقال سلمي للسلط٬ للمدنيين وحكم حقيقي لمؤسسات الدولة المنتخبة٬ يبعد البلد عن صراعات العسكريين سواء كانوا نظاميين أو من المليشيات اللي بتهدد أمن البلد وبتخليها عبارة عن مطمع لأي حد معاه سلاح.

- نتمنى السلامة لأهلنا في السودان٬ ونتمنى الحرب الدائرة بين الجيش والمتمردين من الدعم السريع تنتهي في أقرب وقت بسيطرة الدولة على القوات دي وإخضاعها لحكم القانون والدستور٬ كذلك بنتمنى للسودان الهدوء والاستقرار بناءً على حكم مدني ديمقراطي٬ خاصة وأنه استقرار السودان من استقرار مصر والمنطقة.

***

ليست هناك تعليقات

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

يتم التشغيل بواسطة Blogger.